السبت، 15 مارس 2014
عائد الى يافا
بقلم : إدوارد سعيد
توفي المفكر والمناضل الفلسطيني الدكتور ابراهيم ابولغد يوم الاربعاء الموافق23 مايو في منزله في رام الله عن72 عاما, وذلك بعد صراع طويل مع المرض. ولد ابراهيم ابولغد عام1929 في مدينة يافا, حيث تعلم في مدارسها ودخل امتحان شهادة اتمام المرحلة الثانوية في ربيع عام1948, وقبل ان تعلن نتيجة الامتحان اصبح ابراهيم ابولغد لاجئا بلا وطن حيث اجبر علي مغادرة يافا التي سقطت قبل أيام قليلة من اعلان دولة اسرائيل في15 مايو1948.
اكمل ابراهيم ابولغد دراسته الجامعية في الولايات المتحدة الامريكية حيث حصل علي شهادة البكالوريوس من جامعة الينوي عام1945, وعلي شهادة الدكتوراه من قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة برنستون عام1957. وقد التحق ابراهيم ابولغد فور حصوله علي الدكتوراةه بمنظمة اليونسكو حيث امضي ثلاث سنوات في مكتب المنظمة بالقاهرة قبل ان يعود إلي الولايات المتحدة ليبدأ عمله الاكاديمي كأستاذ في جامعات سميث, وماجيل, ونورث وسترن. وقد امضي ابراهيم ابولغد في الجامعة الاخيرة34 عاما انشأ خلالها معهد الدراسات الافريقية بالجامعة واحتل كرسي استاذية العلوم السياسية.
انخرط ابراهيم ابولغد في النضال السياسي منذ سنوات الدراسة المبكرة قبل النكبة, حيث شارك في المظاهرات ضد الانجليز وفي تنظيم المقاومة الشعبية لمواجهة العصابات الصهيونية في يافا قبل سقوط المدينة. وبعد انتقاله إلي الولايات المتحدة, استمر ابراهيم ابولغد في نضاله من اجل القضية الفلسطينية ليصبح المتحدث الأول باسم الحقوق العربية في الاوساط الاكاديمية في امريكا الشمالية خاصة بعد حرب1967, حيث أسس عام1968 اتحاد خريجي الجامعات الامريكية العرب, وجاب البلاد طولها وعرضها متحدثا عن القضية وحاشدا لانصار جدد. وقد تعددت زيارات ابراهيم ابولغد في تلك المرحلة لبلدان العالم العربي, بل وللعديد من بلدان آسيا وإفريقيا التي كان صديقا للعديد من قادة التحرر الوطني فيها.
كان ابراهيم ابولغد خطيبا بليغا وشخصية قيادية آسرة, كما كان يتسم بالامانة العلمية والانضباط الجم, حيث جمع بين المعرفة الموسوعية بشئون العالم الثالث, خاصة العالم العربي بلغته وتاريخه وثقافته, وبين التقاليد الغربية العقلانية المتعلقة بالتعليم والتنظيم السياسي والتنمية الثقافية. وقد كان ابراهيم ابولغد طرازا فريدا من البشر, فقد جمع بين كل هذه الصفات ورقة انسانية وكرم شديد مما اكسبه مكانة فريدة في قلوب كل من عرفوه في الغرب والشرق علي السواء, حيث عمل كمستشار للأمم المتحدة في انحاء عديدة من العالم.
انتخب ابراهيم ابولغد عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني عام1977, وبعد هذا التاريخ بقليل اضطلع بمهمة استثنائية هي انشاء جامعة فلسطينية مفتوحة تشرف عليها منظمة اليونسكو ويكون مقرها بيروت, وهي المهمة التي لم يقدر لها النجاح بسبب الاجتياح الاسرائيلي للبنان صيف عام1982. وقد عاد ابراهيم ابولغد إلي الولايات المتحدة بعد الاجتياح ليواصل نضاله ضد الدعاية الصهيونية. وفي ربيع عام1988 التقينا انا وابراهيم ابولغد, كعضوين في المجلس الوطني الفلسطيني, بجورج شولتز وزير الخارجية الامريكية آنذاك. وقد استمر ابراهيم ابولغد عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني حتي عام1991 عندما استقال من المجلس ليتمكن من العودة إلي فلسطين مستخدما جنسيته الامريكية لهذا الغرض. كانت عودة ابراهيم ابولغد إلي فلسطين عام1992 هي العودة الاولي له منذ ان غادرها عام1948. واثناء وجوده في فلسطين عرضت عليه جامعة بيرزيت وظيفة نائب رئيس الجامعة التي قبلها علي الفور لرغبته في العودة إلي فلسطين والعيش فيها. وسرعان ما اصبح ابراهيم ابولغد عميد الاكاديميين الفلسطينيين والاستاذ المفضل للآلاف ممن تتلمذوا علي يديه منذ ذلك التاريخ وحتي رحيله الاسبوع الماضي. وفي خلال تلك السنوات نظم ابراهيم ابولغد العشرات من المحاضرات والمؤتمرات الاكاديمية, كما اسس وشارك بفعالية في مؤسسات متعددة منها اللجنة المستقلة لحقوق المواطن, ومركز تطوير المناهج الدراسية, ومركز عبدالمحسن قطان الثقافي في رام الله.
ومن اشهر مؤلفات ابراهيم ابولغد بالانجليزية كتابا المواجهة العربية الإسرائيلية عام1967: وجهة نظر عربية(1970), والتحول في فلسطين(1972) كما ان كتابه الاول اعادة اكتشاف العرب لأوروبا, الذي ظهر عام1963 متناولا رؤية العرب لأوروبا خلال فترة محمد علي, كان احد الكتب الرائدة في مجاله, وبالاضافة إلي هذه الاعمال, فقد كتب ابراهيم ابولغد, بالعربية والانجليزية, العشرات من المقالات والدراسات عن السياسة والتاريخ والتعليم في فلسطين والبلاد العربية.
وما من شك في ان رحيل المفكر والمناضل ابراهيم ابولغد, الذي قدم مثلا للمثقفين بابتعاده عن مفاتن السلطة ومغانمها لخسارة كبيرة لوطنه وعائلته واصدقائه وكل من تتلمذ علي يديه او عرفه. طبت ميتا يا صديق, حيث ترقد الآن بجوار والدك في يافا, بلدك التي حملتها في الترحال والحل.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق